قصص قصيرة

قصة قصيرة.. ظلام دامس

ظلامٌ دامس يغطي السماء فتنظر اليه العيون ولا تبصر الا ظلامًا يظلم معه فؤادك وروحك

ليُذكّرك ان النور والضوء سيرحل عنك ولن يبقى لك الى الابد

لماذا؟

لماذا يا تُرى هذه النظرة الكئيبة لليل؟

يا ترى لماذا تتفاوت وتتباين مشاعر الناس تجاه الليل؟

لماذا يهيم فيه الشعراء ولا يطيقون الصبر عليه؟

لماذا يبكي فيه العشاق من لوعتهم؟ ويتمنون ذهابه ؟ رغم انهم جميعًا يعلمون يقينًا انه لابد لليل ان ينجلي وانه لابد للسماء ان تنفلق وللشمس ان تشرق و للصبح ان يصبح؟

لماذا يا تُرى

فأما بالنسبة لي

فحين ارفع رأسي إلى السماء أرى تلك النجوم المضيئة المنثورة من فوقي أمام القمر وضوئه الآخّاذ!، لايسعني ابدا وصف جمال ملامحه ورونقه ولا روعة ضوئه الباهر، وكيف عساي ان أصف معاني الجمال المعنوي فإنما اثره يصل لروحي لا لعيني فقط

ولولا الليل ما رأينا القمر!

في الحقيقة انه يذكرك بأنه  ولو ذهبت عنك الشمس وذهب ضيائها فأنا سآتيك بقبسها!  ولو أظلمت دنياك كلها ؛ فأنا هنا!

انا هنا دائما معك ولكنك لا تلحظني الا عند غياب الشمس مع اني لا اضيئ بنفسي وإنما أستمد نوري منها

إلا أنها ترحل كل ليلة ، وابقا انا موجودا دائما، لا فرق عندي بنهار او ليل ؛ فأظهر لك ظهورًا ساطعًا واقفا شامخا ولو تركني من الاجرام ما تركني

و حتى ولو انطفأتُ يوما

سأعود!

لولا الليل ما رأينا القمر!

لولا الليل ماعرفنا الأُنس والطمأنينة والسكينة وخواء الروحِ من متعلقات الدنيا وضجيجها

لما سكنّا ولا ركنّا ولا نمنا .

في الليل فقط يبدأ مسير المُريدين الطامحين الصادقين في تعلقهم بالسماء وبمعالي الأمور

في اليل دونما غيره يشمرون لتحقيق مبتغاهم الأسمى والاجل والأعظم من كل شيئ

فكما قال سليمان :(اهل الليل في ليلهم ألذ من اهل اللهو في لهوهم).

في الليل فقط

يدنو ويقترب الرحمٰن منهم!

يقول النبي ﷺ:{ ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فينادي، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له}

فكيف لا يكون الليل مؤنسا ومحببا لمثل هؤلاء ! _فحتى كلام ربك أُنزل في الليل! (ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن)

لا يصف محبتهم له ولا تعلقهم به شيئ أبدًا إلا أن تجربه ، ولكنك تستطيع لمس شيء منه في قول أحدهم :

لولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا!

تخيل ان الدنيا هذه كلها لا يرد منها سوى الليل!

بعد ذلك اللقاء بيومين :

بعد أن حلّ الليل اخيرا بعد يومٍ طويل. بعد عدت من المدرسة وانهيت فروضي وشربت كوب (نسكافيه) استعدّيت للنوم واستلقيت على فراشي وغطيت رأسي بينما انظر من النافذة المفتوحة أمامي  إلى سماء الليل وذلك القمر ذي الرونق البهيج ومعي دفتر مذكراتي الأصفر كان حجمه كحجم الكف كتبت فيه الآتي:

قبل يومين ساق الله إليّ سحابة فلم تحمني من الحر فحسب لم تظلني فحسب لم تدنو مني وتواسني فحسب لم تمطر عليّ فحسب لم تغسل عني درن الماضي وتقتلع آلامه وحزنه والأشواك التي اضنته فحسب لم تجعل جوفي غير خاليًا فحسب لم تجعله هذه السحابة يُزهر وينمو فيه الثمر وكل زوج بهيجٍ فحسب بل اغرقت روحي بعطائها الدائم وجعلتها تسبح فيها من غير كلل ولا ملل

تلك السحابة كانت رون!.

اجل كان لطف تعاملها معي يدل على أنّها سحابة واهتمامها بي دونما غيري على أنها (مُسخَّرة)  ظلّت تغدق علي حُبًا واهتمامًا لم  يقوم به احدٌ معي

علمتني رون ألا افقد الامل ابدا

فمرة عندما كنت اجلس في مقعدي في الصف وحيدة وبدأت الكآبة واليأس يتسللان إلى محياي فألقيت برأسي على طوالتي واقفلت عليه بيداي وكدت اذهب لعالمي المضني

نادتني رون من فورها! نادتني باسمي من بعيد وكأنها احست ما أصابني وأعادت لي رباط جأشي ببضع كلمات ومحت عني كل حزن بل غمرت قلبي بالسعادة

وهذه والله واحدة لا انساها لرون

وهكذا ظلت بجانبي دومًا ولم تتركني وحدي

و كثيرًا ما تبحث عني وتقربني وتساعدني لأصبح اشجع،

معها استطعت ان اصبح من يبدأ الحديث

كنت أشعر انها على علم بضعف نفسي وهواني هذا

من طريقة لطفها معي وانتظرها لي ودفعها لي

(من لا يشكر الناس لا يشكر الله) ؛ فشكرًا جزيلًا رون.

على كل حال بعد ان انهيت النقل لكم من المذكرة الصفراء قمت استعد للذهاب الى نادي السباحة ككل صباح ارتديت عبائتي وودعت جيجي وخرجت من بيتي الصغير وسرت على متن دراجتي النارية بعد أن تفقدت وقودها .

شوارع مدينتي هذه _مدينة كانتان_ نظيفة و هادئة ومريحة جدا وسكانها قليلون واجمل مافيها هي قلة المباني المرتفعة فعلى الرغم من اننا في بدايات الصيف الا أنّ نسيم الصباح هذا لا يصده شيء .

في الواقع يسكن أهلي في العاصمة وهي ليست بعيدةً عن هنا ولكني قررت الانتقال الى هذه المدينة لألتحق بنادي السباحة الاكبر على مستوى البلاد ؛ لأني أود ان اصبح مدربة سباحة ففي النهاية لقد ولدت في مدينة ساحلية يحب جميع أهلها البحر لذا ورثت ذلك منهم وعدت به إلى موطني هنا.

المهم بينما انا أقود على  الطريق لم ازل أحيي شخصا سواء بالتلويح بيدي لأحد أهل المنطقة او بصراخ ان سلاااام عليكم ثم يُرد عليّ بصوتٍ اعلى ولكني لا أحسن تميزه بسبب سرعة دراجتي وصوتها الذي ينتقل معي إلا أنّي أُجزم بأنه قد رُدَّ عليّ ببتسامةٍ وفرحْ ثم لا ألبث إلا واسمع صوت الرجل العجوز بائع الخضار في نهاية المنعطف : اجل هذا هو النشاط يا ريني صبااااح الخير  فقررت اليوم ان أتوقف واشتري منه بعض الفراولة فلم أتوقف عنده بالأمس .

مع أنّي لم امكث طويلا هنا إلا أن أهل مدينتي الصغيرة هذه جميعهم يعرفون بعضهم البعض وعلى الرغم من أنّي لست اجتماعيةً إلى ذلك الحد إلا أنّ الجميع يعرفني ويسأل عن احوالي دائما ويتفقدني ؛ لذا أحب بساطتهم ولطفهم هذا أنه يناسبني بالفعل .

اترك تعليقاً

انت تستخدم اداة مانع الاعلانات

لتستطيع تصفح الموقع بسهولة من فضلك اغلق اداة مانع الاعلانات