قصص قصيرة

قصة قصيرة.. في نادي السباحة

بالتأكيد أنه نادٍ خاص بالفتيات حيث ان مكان السباحة كان مُأمنًا بالجدران ولكن السقف كان مفتوحًا فتصل إلينا  الشمس و الرياح ، ولم يكن تابعًا لمدرسة ما أو جامعة معينة فقط هو مكان لطيف يجتمع فيه مُحبي هذه الرياضة المنعشة وبالتأكيد كان يقدم شهادات مُعتبرة ؛ انضممت له لشغفي الكبير بالسباحة ، حقيقةً اهتمامي في الحياة الدنيا يتمثل في الكتابة والسباحة ، ولا استطيع ان أُحدد أيهما يسبق الآخر في قلبي لأنه يحبهما لذات السبب و هو  تلك المشاعر التي لا توصف عند ممارستهما

ماذا أقول لك ليصلك؟

تلك الزرقة ،بريق اشعة الشمس المنعكسة ذاك، الهواء العليل ، الإحساس بالماء الذي هو حياة كل شيء ، صوت ارتطام أجسامنا بها فور ان تطلق المدربة الصفارة فيقفز الفتيات ويرمين بأجسادهن إليها فيتحركن بكل رقة وسرعة تجاه نهاية الحوض وفور ان يقتربن منه يغصن برؤسهن ويخرجنها في اتجاه العودة ويقذفن أنفسهن بدفع الحائط بأقدامهن ويسبحن كالحوريات! عندها تتسارع دقات القلوب وتبدأ الهُتافاتُ اللطيفة  ويحبس الجميع أنفاسه لا المتسابقات فحسب واول ما ان تخرج الفائزة و الواصلة اولًا رأسها من الماء تتعالى الضحكات والتصفيق من الجميع للجميع.

هكذا انهينا التدريب لليوم كما نفعل كل مرة .

وبعد أن بدلت ملابسي وارتديت تنورة الجينز و قميصي الابيض الذي يغطي الرقبة ولكن يُظهر الذراعين ، وانهيت حصتي من التظيفات اليومية أتاتني تلك الغصة في المعدة والتي تعني إلهمًا لا يمكن تجاهله أو مقاومته لم أستطع الانتظار حتى أعود للمنزل واكتب لذا سحبت واحدًا من الكراسي البيضاء البلاستيكية ووضعت امتعتي على الطاولة ذات نفس اللون امامه ، جلست حيث أنظر للفتيات اللاتي لايزلن يلعبن في الماء ،وكنوعٍ من التغيير لأول مرة اخرجت جهازي اللوحيّ وبدأت بالكتابة عليه :

ذلك الوقت في المدرسة كان أحد تلك الاوقات التي يجتمع فيها بنات الصف ويجلسن معًا لم يكنّ يملكن ذلك التحزب و التفرق كان الغالبية منسجمين معًا ،ولأن جوّ مدينة أوسان حارٌّ غالبًا ومناسب للسباحة طوال السنة إلا فيما ندر ،كُنا نتحدث عن الأماكن المناسبة للسباحة والخطيرة منها ومواقِفِنا و ذكرياتنا السعيدة والحزينة و المضحكة و المؤثرة فيها فبينما الجميع يتحدث بحماسٍ وشغف كان لديّ نفس الشعور وأردت حقا المشاركة بما لدي فكلما فتحت فمي لأقول :انا مرةً… تتم مقاطعتي ،لم يكن يقصدن إذائي ولكنّ الحماس والاندفاع يحمل الإنسان احياننا على هذا ، لذا رون و التي كانت تجلس مقابلًا لي هي وحدها انتبهت لمحوالاتي جاهدة على المواكبة مع عدم استطاعتي وصمتي كلما قوطعت ،

فنظرت إليّ وابتسمت و قالت : بناات اصمتن قليلًا واسمعن،

ثم نظرت إليّ مجددًا وقالت لي : ريني ماذا اردتي ان تقولي؟

فصمت الجميع ونظر إليّ باهتمام

فأحسست بالخجل ولكن كان عليّ التحلي بالشجاعة بعد أن منحتني رون القوة ،فقصصت لهم موقفي الذي ظننته طريفًا عندما كنت اسبح مع ابنة خالتي الصغيرة في استراحة العائلة ومثلت لهم مقدار خوفها وطريقة طلبها المضحكة للمساعدة لأني تركت يدها و دفعتها بعيدًا للتحلى بالشجاعة وتتعلم السباحة وحدها على الرغم من أنها كانت ترتدي (عوامة) !

فضحك الجميع ولكن ما أهمّني هو ضحكة رون التي كانت تنظر إليّ بعين فخر المُعلم لطالبه الصغير الظريف

وهذه والله ثانية لا أنساها لرون.

وبعد أن رن الجرس اعلانًا بانتهاء اليوم الدراسي قمت اجمع اغراضي في حقيبتي ، وفجأةً نادتني فتاة لا اعرف اسمها فلم تكن في صفنا ولكنها عرفتني ودخلت صفنا وهي تقصدني انا فقط ، وسألتني:

صديقتك هاتشي غاضبة منكي فلم تعودي للحديث معها منذ فترة ما الذي حد..

فانزعجت من ذكرها هاتشي وقاطتها على غير عادتي :

التسكع معا لبعض الوقت لا يعني اننا صديقتان ابدا!!

أحقا؟! اعتذر اذا

واستدارت الفتاة وغادرت من فورها

فوضعت رون يدها على كتفي وقالت لي :

ريني ، هيا لنسر معًا إلى الساحة

وهكذا قضي الأمر بيني وبين هاتشي بكل دناءة مني .

بينما انا اكتب ما أكتب انتبهتُ لتّانّي تَقْدُمُ نحوي بابتسامتها المشرقة وحيويتها المعهودة

إنها ذات الفتاة التي رفضت الذهاب معها إلى المجمع التجاري سابقًا ، فتبادلنا التحيات ثم نظرت إلى جهازي اللوحي باستغراب واستنكرت:

انها المرة الأولى التي اجدك فيها تحملين غير الكتب و الأوراق، كنت اشعر أنكي من ذلك النوع الذي لا يصادق سوى الكتب

هييه غير صحيح ، كان لي ، أعني لديّ صديقة أعتز بها كثيرًا ، في الواقع هي كنزٌ ثمينٌ لي ، كانت صديقة بمعنى الكلمة

وأين هي الآن؟

اشحت بعيني بعيدًا إلى الأسفل بنصف ابتسامة وقلت بتنهيدة:

لا أدري ،أرجو أن تكون بخير

رمت تّانّي بنفسها على الكرسي الذي بقربي وهي تقول:

واه هذا درامي جدًا لن أسأل عمّا حدث ولكن ماذا تعنين بكلمة صديقة ؟

ألا تعرفين معناها؟

لا تسخري مني، أعني عندما قلتي “صديقة بمعنى الكلمة” شعرت أن لديكي مفهومًا مميزًا لها

_ليس مميزًا بالفعل،انا فقط أرى الصداقة كرياحٍ تحملُ لكِ سحابًا يغرقك بعطائها ، فلا يسعك مُجاراتها او تقديم شيءٍ سوى الامتنان لذلك

_لم أفهم، اذًا هل امتنانكِ لسحابة ام لريح؟

_بل لمن صرّف الرياح وساق السحابة بها لي

_ءلله؟

_ومن ذا الذي يصرف الرياح والسحاب والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس غيره؟ بل ﴿وَهُوَ الَّذي يُرسِلُ الرِّياحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ حَتّى إِذا أَقَلَّت سَحابًا ثِقالًا سُقناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلنا بِهِ الماءَ فَأَخرَجنا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخرِجُ المَوتى لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾ [الأعراف: ٥٧]

أتعلمين ماذا ؟ أحببت عقليتك وطريقة تفكيرك واسلوبك ،أود أن أكون مثلك

اوي، توقفي فقد اخجلتني غير أنكي لا تعلمين الكثير عني بعد

اجل “بعد”

ثم فجأة تغيرت ملامح وجهها المشرق وتنفست الصعداء وقالت وهي تنظر إلى السماء بغير ابتسامتها المعهودة :

أتعلمين لطالما كنت مؤمنة انه “قد جعل الله  في الصديق البار المقبل عوضًا عن ذي الرحم العاق المدبر” كما قال القاسم بن محمد وانه يصعب ان تجد شيئًا يعدل صاحبًا قريبًا بفعله وقوله في منعطفات الدنيا

اتفق معك

ولكني بعد ثلاث سنواتٍ من هذا النعيم خُذلت وتركتُ فجأةً من دون ان أفهم السبب.

بدأت الشمس في الزوال ومعها الهواء يداعب شعر تّانّي محاولًا مواساة ملامحها الحزينة

وانا لم أستطع قول شيء فأخرجت كتابي المفضل من حقيبتي وقرأت عليها قول المؤلف ابن حزم :

(وانا أُعلمك ان بعض من خالصني المودة ،وأصفاني إياها غاية الصفاء في حالة الشدة و الرخاء ، والسعة والضيق ، والغضب و الرضا ؛ تغير عليّ اقبح تغيُّر بعد اثنتي عشرة عامًا متصلة في غاية الصفاء ، لسببٍ لطيفٍ جدًا ، ما قدّرت قط أنه يؤثر مثله في احدٍ من الناس ، وماصلح لي بعدها ، وقد أهمّني ذلك سنين كثيرة همًا شديدًا

ولكن لا تستعمل مع هذا سوء المعاملةِ ؛ فتلحق بذوي الشَّرارةِ من الناس ،وأهل الخَبِّ منهم )

كانت تَّانِّي تنظر إلي بذهول ثم مسحت وجهها بِكُمِّها قبل أن تسألني عن اسم الكتاب بينما وقعت عيناي على اعلى الصفحة في ذات الكتاب الذي بين يداي والتي تقول ( “لا تزهد فيمن يرغب فيك ، فإنه بابٌ من أبواب الظلم ، وترك مقارضة الاحسان ، وهذا قبيح “) ذُهِلتُ منها وكأني أقرأها لأول مرة وتذكرت دنائتي مع هاتشي فأردت أن أُكفِّّر عن خطاياي لذا اعطيتها الكتاب وقلت لها :

هذا كتابي المفضل لذا سأُعطيكي إياه ان اردتي

احقا؟ سأعتني به !

فاحتضنته و بدت سعيدةً به بالفعل وأخرجت من جيبها مجموعة طلائات أظافر وقالت بعد أن عاد إليها الإشراق :

وهذه اشيائي المفضلة سأُعطيكي إياها إن أردتي

حقًا ؟ شكرا لك ، سأعتني بها ايضا!  ؛ فأنا أحب أن اطلي أظافري ..

اذًا …أتذهبين معي إلى المقهى بعد المغرب اليوم؟

بالتأكيد ، أنا أحب الحلويات والمخبوزات كثيرًا خاصةً الدونات !

واه ،ظننتك تحبين المأكولات الصحية فقط ؛لأنكِ تكثرينَ من الشاي الأخضر

هذا ثاني انطباع خاطئ تملكينه عني ،في الواقع كنت أحب القهوة منذ صِغَري ولكني أحب أنْ أُحافظ على صحتي أيضا، فعلى الانسان احيانًا ان يقاوم محابه حتى لا يضر بنفسه

سأُدون ذلك !

أوي ! لاحاجة

اترك تعليقاً

انت تستخدم اداة مانع الاعلانات

لتستطيع تصفح الموقع بسهولة من فضلك اغلق اداة مانع الاعلانات