قصص و روايات

رواية.. نزار قباني و كوخ العائله (الجزء التاسع)

وقطع كلامه صياح كيفانش كالمجنون :

ايها الحمار ، لم قتلته ؟

عفواً يا اخي لكن هل اتركه يقتلك ؟ لا يمكن !

اصمت اصمت وانزل الى هنا هيا وادفن الجثه …. احمق وحقير . يتدخل بالقدر ! تخيلوا ؟ يتدخل بالقدر … هيا استعجل . وانت يا يلماز اريدك ان تجد ذلك الكتاب هل تفهم ؟

عندما عاد محمد الى الكوخ ، احس لحظةً ان قلبه آلمه ، وكأنه فقد نفسه ذاتها وصار ضمن الهواء الدافئ في الكوخ هنا ، فأخذ الاشخاص الحاظرين يستنشقونه شخصاً ورا الاخر من رئة الى رئة ولم يهدأ له بال ، لكنه استنتج ان مابه هو من فراق صديقه ، وهون على عمره انه سيلقاه قريباً او على الاقل يحادثه في الهاتف .

محمد ، الم ترى كيفانش على طريقك ؟

لا لمَ اليس هنا ؟

كما ترى ، خرج خلفكم ولم يعد ، لابد انه خرج للتنزه او لشيء ما ، اتمنى ان يعود سالماً ، فالجو خارجاً لا يبشر بخير .

هنا عاد محمد واحس بنفس الاحساس الاول ، لكنه زاد عليه عدم راحه كبيره ، وكأن شيئاً مريباً وقع لكنه ايضاً تفادى هذا الشعور ، ورفع كتفيه غير مبال ، واذا بكيفانش يدخل ويغلق الباب خلفه وهو يتقافز ويفرك يديه على كتفيه ويقول :

اوه ياله من برد شديد ، اوه ها انت ذا محمد قد اتيت ، كيف هو صاحبك ؟ هل تبلل كتابه ؟

نظر محمد الى عيني عمه ، فوجد بها لمعة مريبه ، لمعة ليست واقعيه او انها ليست بديهيه او بمعنى ادق عفويه ، انما هي حقاً …. مصطنعه !

مابك ضعت في افكارك يابني ؟ كنت اسألك عن صاحبك

اوه اجل انه تمام ، بخير ، لقد ذهب … لا تقلق عليه .

اجل اعلم انه ذهب ، لكن ماذا حدث لكتابه مابك ؟ هل انت معنا هنا ام نسيت نفسك خارجاً ؟

كان محمد فعلاً ليس بالغرفه ، هو ادرك شيئاً ، لكنه لا يعلم ماهو ، هو احس بشيء ، لكنه لا يعلم ماهو ، هل هذا هو الاحساس بالضياع ؟ ام انه ، جهل النفس و خلجاتها ؟

فرد على عمه وقال

لا الكتاب بخير اخذه معه .

متأكد ؟

عمي ؟ ماذا بك ؟ هل تحقق معي ام ماذا ؟ دعني وشأني لقد قاطعت افكاري بما فيه الكفايه ، استغفرالله العظيم و اتوب اليه .

صاح محمد على كيفانش هكذا بكل حنق وانف محمر ، ثم لوح بيده في الهواء ، وخرج ضارباً الباب بيده . ان محمد يعلم ان عبدالله اعطى الكتاب الى تلك الفتاة ، آمنه ، رأى ذلك بعينه ، رغم ذلك لم يخبر عمه ، لانه احس انه لا يمكن ان يعلم ، وتذكر فجأه تحذير عبدالله له من كيفانش . توقف خارجاً تحت مظلة المدخل والمطر يمطر وقال لنفسه.

ما هذا الضياع ؟ يارجل ! اعوذ بالله ما الذي اجتاحني ؟ هل تلبسني جن ؟ اعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ثم اخرج هاتفه ، واتصل على عبدالله ، لم يرد على الهاتف ، اتصل مره اخرى ، لم يرد على الهاتف ايضاً  لكن المره الثالثه كان الهاتف مغلق ، الحقيقه ان يلماز ومن معه ، سمعا الهاتف يرن في سيارة عبدالله ، ففتحوها بالريموت بعد ان اخذوه من جيب الضحيه.

واخذو كل ماتحتويه جيوبه ، كسروا الهاتف ورموه على الطريق عندما انتصفوه بعيداً عن الغابه . خرجت زوجة محمد لتطمئن عليه ، ووقفت بجانبه وتحت صوت خطوات جيش الماء فوق المظله، وامسكت بذراعه ، وسألت :

مابك يا عزيزي ؟

ياعمري ، والله لا اعلم ! منذ رجعت وانا اُحسُّ بالضياع ، ضياع ضياع ، لا اعلم ماذا بي ، وكأن عقلي يريد اخباري بشيء مهم لكنه لا يعلمه هو نفسه …. فجأة احسست اني بين غرباء ، او متوحشين ، لا اعلم كيف ، بما فيهم انتي . لكني اعلم ان قلبك نقي من كل ريب ، واحبك هل تفهمين ؟ احبك !

تمام تمام اهدأ ، لندخل الى الداخل ونشرب شيئاً يهدئ اعصابك تعال كان محمد يتكلم بشكل مجنون وكأنه فعلاً احس بموت صديقه او ان لم يكن احس بموته ، فهو احس بأن شيئاً وقع ، وفي لحظتها ندم اشد الندم انه لم يأخذ رقم احد الفتاتين ، مع انهم لن ينفعوه بشيء ، لكنه اراد ان يتصل بأحد ويسأل عن صديقه ، فقط يريد ان يسأل ، ولا يهمه الجواب ، ربما اتصل بهم وحددوا معه موعداً ، حينها يطمئن يا الهي يكاد مخه ينفجر .

محمد ، هل تسمعني ؟ اكلمك انا حبيبتك . لندخل الى الداخل تعال هيا …. هيا

جرته من ذراعه كالابله ، ودخل الكوخ ، وكأن رأسه دخل في فم جمل من شدة الكتمه التي اجتاحته لما رأى الحظور من دون وجوه ، مجرد اجساد نتنه .

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

انت تستخدم اداة مانع الاعلانات

لتستطيع تصفح الموقع بسهولة من فضلك اغلق اداة مانع الاعلانات