رواية.. ليلى (الجزء الرابع)
في تلك القاعة الفارغة حيث يسمع فيها فقط صوت ضربات يتردد صادها ، تتنفس بسرعة و صدرها يرتفع و ينزل ، تضرب بكل قوتها على كيس الملاكمة ،ضربات دقيقة و محترفة لو رآها أحد لم يكن ليصدق أن هذه الأنثى يمكن أن تخرج منها كل هذه القوة، توقفت على رنين الهاتف الذي أفسد سكون القاعة، اقتربت منه و هي تمسح العرق المتصبب منها ،أخذت نفسا عميقا و ردت على المتصل :
نعم روينا ما الأمر ؟
أين أنت يا فتاة لدينا طائرة هل نسيتي موعدنا ؟
لا لم أنسى ،لقد كنت أتدرب قليلا ، سأعود قريبا ….. أفكر في الذهاب إلى مكان ما .
أين ؟…..عمل مجدد ليلى ؟ لماذا أخذت إجازة إذا كنت ستفعلين هذا ؟
أنت التي أسررت علي لأخذها مع أنني لا أهتم حقا ، لا تقلقي و كفاك صراخا نحن سنذهب في الوقت لن تفوتنا الطائرة .
صمتت برهة من الزمن ثم أردفت :
حسنا ، اذهبي الآن روينا ، لدي مكان يجب أن أمر عليه.
آتاها فقط تنهد الأخرى و أغلقت الخط ، نظرت حولها و قررت أن تستحم و ترتدي ملابس لائقة للمكان الذي ستذهب إليه .
أخذت سيارتها و اتجهت لوجهتها وهي تراقب سرعتها ، إلا أن أوقفتها أمام مكتبة صغيرة تبدو قديمة الطراز ، دخلت و هي تتفحص بعينيها المكان الذي لم تزره منذ فترة طويلة جدا ، سرحت و هي تتأمله و تتذكر ذكراتها الجميلة فيه إلى أن استفاقت من شرودها على صوت الموسيقى الكلاسيكية القادم من ذلك الراديو ، اقتربت و قالت بهدوء و ابتسامة لا تفارق شفتيها :
أرسلان ألن ترحب بي ؟
نهض ذلك العجوز الذي كان خلف طاولة الحساب و اقترب منها و حضنها بقوة و قال بنبرة مليئة بالسعادة:
ليلى ! أهلا و سهلا بك ، أنت لا تدركين كم أنا سعيد برؤيتك ،أفلتني أيها العجوز ، إنني أخت..نق.
أوه آسف لم أنتبه إذن كيف هي أحوالك؟
أنا بخير و لكنني أحتاجك أريد كتابا استثنائيا من عندك ، أنت تعرفه ” كتاب الدم ” .
ابتعد عنها و نظر في عينيها مطولا ثم قال :
اجلسي و ارتاحي و أنا سأذهب لأحضر بعض شاي فلدينا حديث طويل .
لا داعي لذلك أرسلان فأنا سأغادر ، أريد فقط الكتاب.
تكلم ارسلان من الداخل بحدة :
فقط انتظري سأنتهي في الحال.
جلست ليلى و هي تعرف جيدا أنها لن تخرج من المكتبة إلا و لدى أرسلان جميع الأخبار عنها منذ افتراقهم آخر مرة ،تنهدت بصوت مسموع و رجعت لحالة شرودها التي استيقظت منها على صوت أرسلان و هو يضع الشاي و يصبه في كؤوس :
إذن ستشرحين لي كل شيء لماذا تريدين ذلك الكتاب .
رشفت ليلى من كأسها رشفة ثانية ثالثة إلا أن قالت :
لقد عادوا .
وقع الكأس من يد أرسلان و سعل بقوة ثم قال بنبرة حادة :
ماذا تقصدين بأنهم قد عادوا ألم ننهي أمرهم بالفعل قبل أربع سنوات ؟
نعم فعلنا و قد ظننا أننا هزمناهم لكن كانوا يلعبون معنا لا أكثر صحيح أننا وجهنا لهم ضربة مؤلمة ذلك اليوم و لكن ذلك زادهم قوة و رغبة في محونا
صمتت لبرهة ثم أضافت بجدية:
اكتشفت مؤخرا الأمر، هم لم يختفوا هم فقط كانوا ساكنين مختبرين خلف الظلال و قد أعلنوا للجميع أنهم قد عادوا من خلال اغتيال رئيس الوزراء قبل أيام و الذي كان فردا منهم.
عم الصمت في الجو لدقائق إلا أن كسره أرسلان قائلا بقلق :
المنظمة ستستهدفك الآن فهي بكل تأكيد لم تنسى ما فعلته بها قبل أربع سنوات ، أي أنك في خطر و الأشخاص من حولك في خطر
ردت عليه ليلى و هي ترفع خصلات شعرها التي سقطت على وجهها :
أعرف هذا تماما ، فمنذ أن قررت أن أمشي في طريق الإنتقام كنت مستعدة لمثل هذا اليوم ، كان لدي شك بأنهم سيرجعون لكن حقا لم أتوقع أن يكون هذا هو الوضع .
سكتت قليلا ثم أردفت :
أحضر لي ما أريده و وفر لي مكانا آمنا بعيدا عن الأعين ، لينا مازالت لم تتجاوز سن ست سنوات و هي طفلة بريئة لا علاقة لها بأي شيء من هذا العالم و لا تنسى لروينا أيضا فأنا لا أريد أن أظلمها معي ، سأخوض هذا الحرب وحدي فلا أريد لشخص آخر أن يموت بسببي .
نظر لها أرسلان مطولا و تنهد بتعب لأنه يعرف أنه مهما حاول إقناعها فلن تقتنع فالشخص الذي جرب فقدان أحبائه أمام عينيه و الخذلان من أقرب الأشخاص إليه لن يثق مرة أخرى بالحياة و لكن ليس هي التي مازال هناك سبب لتعيش من أجله.
وقف و سار إلى الداخل و أحضر كتابا سميكا وضعه أمامها و هو يختلس النظر إليها و يرى تلك الإبتسامة التي ظهرت على شفتيها و قال :
ها هو ذا من أجود الأنواع خصيصا من أجلك.
أمسكت الكتاب و تفحصته ثم فتحته لتجد مسدسا ألماني.
نطق أرسلان ليقاطع سلسلة تأملاتها :
ما رأيك به ، إنه جديد و الأفضل في السوق حاليا ، كان يبحث عن مالك و يبدو أنه وجده الآن .
أجابته و أعينها على المسدس تتفحصه :
لقد عثر على مالكته الآن ، على أي سآخذه ، مضى وقت طويل لم أحمل فيه سلاحا .
حقا أنا متعجب ، ألم تقولي من قبل أنكي لا تحبين المسدسات بسبب صوتها المرتفع .
رفعت عينيها التي فقدت بريقها ، عينيها الباردتين العميقتين ، كلون و عمق المحيط و قالت بهدوء :